كل هذا، أي مكان ومكانة داود نسبة ليسوع – معروف لنا اليوم، لكنّه لم يكن كذلك حينها، وقت العنصرة عام 30 م! لذلك، وبعد صلب يسوع بأقلّ من شهرين، وجب على بطرس أن يشرح للناس ببراعة بلاغيّة، وبتصرّف بارع بآيات العهد القديم، العلاقة بين داود ويسوع، ولماذا بكون يسوع هو "داود الجديد"! وعلى وجه الدقّة: لماذا يكون يسوع ابن داود – أعظم وأهمّ من داود.
دعونا نقرأ عظة بطرس، ونحاول فهم حُججه:
الحُجّة الأولى: يسوع قام من بين الأموات. (الاصحاح الثاني: 22-24)
"22فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اسْمَعُوا هَذَا الْكَلامَ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلامَاتٍ... 24وَلكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ نَاقِضاً أَوْجَاعَ المَوْتِ، فَمَا كَانَ يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي قَبْضَتِهِ"!
الحجة الثانية: لقد تنبّأ داود في سفر المزامير 16، بأن الموت لن ينال من جسده. (الاصحاح الثاني: 25-28)
ها هو داود يقول عنه: " جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي دَائِماً فَإِنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلَا أَتَزَعْزَعُ. لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي حَتَّى إِنَّ جَسَدِي سَيَرْقُدُ عَلَى رَجَاءٍ، لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي هُوَّةِ الأَمْوَاتِ وَلَنْ تَدَعَ وَحِيدَكَ الْقُدُّوسَ يَنَالُ مِنْهُ الْفَسَادُ. هَدَيْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ: فَإِنَّ مِلْءَ الْبَهْجَةِ فِي حَضْرَتِكَ."
الحُجة الثالثة: داود مات ودُفن، أي أنّ النبوءة التي تحدّثت عن أن الموت لن ينال من الجسد- لم تتحدّث عنه ولا تنطبق عليه. (الاصحاح الثاني: 29)
" 29 أَيُّهَا الإِخْوَةُ، دَعُونِي أَقُولُ لَكُمْ صَرَاحَةً إِنَّ أَبَانَا دَاوُدَ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ مَازَالَ عِنْدَنَا حَتَّى الْيَوْمِ"
الحُجة الرابعة: داود كان نبيًا، ولهذا فإن مزمور 16، لا يتحدّث داود فيه عن نفسه بل عن يسوع. كل المؤمنين بقيامة يسوع يفهمون الآن نبوءة داود. (الاصحاح الثاني: 30-32)
"30 لأَنَّ دَاوُدَ كَانَ نَبِيًّا، وَعَارِفاً أَنَّ اللهَ أَقْسَمَ لَهُ يَمِيناً بِأَنْ يَجِيءَ الْمَسِيحُ مِنْ نَسْلِهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَرْشِهِ، 31 فَقَدْ تَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ كَمَا رَآهَا مُسْبَقاً، فَقَالَ إِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تُتْرَكْ فِي هُوَّةِ الأَمْوَاتِ، وَلَمْ يَنَلْ مِنْ جَسَدِهِ الْفَسَادُ. 32 فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِكَ."
الحُجة الخامسة: يسوع صعد إلى السماء، لكن داود – لا. لذلك، فإن الاستنتاج هو أن يسوع أعظم وهو الرب والمسيح: (الاصحاح الثاني: 33-34)
33 وَإِذْ رُفِعَ إِلَى يَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مِنَ الآبِ الرُّوحَ الْقُدُسَ الْمَوْعُودَ بِهِ، أَفَاضَهُ عَلَيْنَا. وَمَا تَرَوْنَهُ الآنَ وَتَسْمَعُونَهُ هُوَ نَتِيجَةٌ لِذَلِكَ. 34 فَإِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِجَسَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ".
إنهاء مرحلة الحُجج: يسوع هو الكلمة الأخيرة! هو المسيح وهو الرب! (الاصحاح الثاني: 36)
"36 فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً بَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعاً، أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ يَسُوعَ، هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً!".
هذا الفصل الدرامي، ينتهي باعتماد الآلاف مؤمنين بيسوع مسيحًا: "٤١ فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ، وَٱعْتَمَدُوا، وَٱنْضَمَّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْس". (الاصحاح الثاني: 41)
كما يبدو فإنّ الروح القدس لم يكن وحده كافيًا لإقناعهم، فقد كانوا بحاجة لفهم وجه الشبه بين داود ويسوع، وقد احتاجوا أكثر فهم الاختلاف بين الاثنين: مُلك داود "نُزع" منه عند موته، وأُعطي لمن هو أعظم منه... سيكتفي داود منذ اللحظة بلقب "نبي"! أما يسوع سيُدعى "الرب"! خطاب بطرس أقنع المجتمعين في العنصرة، بأن تاج داود (للحقيقة فلم يكن لداود تاج. لم يكن لملوك إسرائيل في الفترة الكتابيّة تاج، وذلك بعكس ملوك الشعوب الأخرى في الفترة ذاتها) مدفون معه في قبره، أما مُلك يسوع- فهو مُلك أبديّ.
إذا اعتقدتم أنّ هذه البلاغة جدليّة ومناكَفة بمن رفض "مُلك" يسوع وتفوّقه (أي اليهود غير المؤمنين مقابل اليهود المؤمنين بيسوع) – فأنتم على حقّ.