"הבשורה"

 

ניוזלטר מאת יסכה הרני  

الشافوعوت (عيد الأسابيع اليهودي) العنصرة،
وذكرى وفاة الملك داود

" 15 ثُمَّ تَحْسُبُونَ سَبْعَةَ أَسَابِيعَ كَامِلَةٍ، ابْتَدَاءً مِنَ الْيَوْمِ التَّالِي لِلسَّبْتِ الَّذِي تُحْضِرُونَ فِيهِ حُزْمَةَ التَّرْجِيحِ، 16 فَتَحْسُبُونَ خَمْسِينَ يَوْماً إِلَى الْيَوْمِ التَّالِي لِلسَّبْتِ السَّابِعِ، ثُمَّ تُقَرِّبُونَ تَقْدِمَةً جَدِيدَةً لِلرَّبِّ. " (سفر اللاويين 23، 15-16)

 

عيد الأسابيع اليهودي يأتي بعد خمسين يومًا من عيد الفصح، وبالتزامن معه – يُعيّد المسيحيون عيد العنصرة، خمسين يومًا بعد الفصح. شبيهان جدًا، لكن يجب التمييز بينهما، وسوف نقف على الفروقات في هذا المقال.

 

هذا هو نصّ العهد الجديد الذي يصف العنصرة:

" وَلَمَّا جَاءَ الْيَوْمُ الْخَمْسُونَ (عيد الأسابيع اليهودي)، كَانَ الإِخْوَةُ مُجْتَمِعِينَ مَعاً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، (في اللغة اليونانيةΚαὶ ἐν τῷ συμπληροῦσθαι τὴν ἡμέραν τῆς πεντηκοστῆς ἦσαν πάντες)2 وَفَجْأَةً حَدَثَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ كَأَنَّهُ دَوِيُّ رِيحٍ عَاصِفَةٍ، فَمَلأَ الْبَيْتَ الَّذِي كَانُوا جَالِسِينَ فِيهِ 3. ثُمَّ ظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ، وَقَدْ تَوَزَّعَتْ وَحَلَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، 4  فَامْتَلأُوا جَمِيعاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَأَخَذُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، مِثْلَمَا مَنَحَهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا". (أعمال الرسل،2، 1-4)

بحسب الوصف أعلاه يبدو أنّنا في جبل سيناء، وليس في جبل صهيون.. إنّ الحدث ليس حدثًا إنسانيًا فقط، بل هو تدخُّل إلاهي في الرموز والأشكال.

سفر الخروج 19: 16- 19

١٦ وَحَدَثَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ لَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ أَنَّهُ صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى ٱلْجَبَلِ، وَصَوْتُ بُوقٍ شَدِيدٌ جِدًّا. فَٱرْتَعَدَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَحَلَّةِ. ١٧ وَأَخْرَجَ مُوسَى ٱلشَّعْبَ مِنَ ٱلْمَحَلَّةِ لِمُلَاقَاةِ ٱللهِ، فَوَقَفُوا فِي أَسْفَلِ ٱلْجَبَلِ. ١٨ وَكَانَ جَبَلُ سِينَاءَ كُلُّهُ يُدَخِّنُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ٱلرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِٱلنَّارِ، وَصَعِدَ دُخَانُهُ كَدُخَانِ ٱلْأَتُونِ، وَٱرْتَجَفَ كُلُّ ٱلْجَبَلِ جِدًّا. ١٩ فَكَانَ صَوْتُ ٱلْبُوقِ يَزْدَادُ ٱشْتِدَادًا جِدًّا، وَمُوسَى يَتَكَلَّمُ وَٱللهُ يُجِيبُهُ بِصَوْتٍ.

إنه حدث يصف الله واهبًا النعمة، التي نزلت على المجتمعين، والذين سيُصبحون من الآن فصاعدًا أبناء العهد الجديد. إنّ التشابه مع ما حدث في جبل سيناء ليس فقط في الأصوات والمشاهد، بل أيضًا تكوُّن عهد كونيّ بين الله ومُختاريه.

ونرى ذلك في نص يهودي قديم – كتاب اليوبيلات. هذا الكتاب هو أحد "الأسفار المنحولة" (أبوكريفا) – وهي أسفار من العهد القديم كتبها يهود ولم يقبلها حكماء اليهود ولذلك فقد رُفضوا. وُجد من هذا الكتاب 15 نُسخة متقطعة في مخطوطات البحر الميت بلغته الأصليّة. الكتاب يصف سيرة حياة آباء شعب إسرائيل. مع إضافات ولاهوتيات مختلفة.

 كتاب اليوبيلات 6، 16 – 17:  

" وضع قوسه في السحاب، علامة عهد أبديّ.. لهذا السبب أُمر وسجِّل على الألواح السماويّة بأن يكون أناس يحتفلون بعيد الأسابيع في هذا الشهر، مرّة كل سنة، لتجديد العهد كل سنة: احتُفل بهذا العيد احتفالاً كاملا في السماء منذ يوم الخلق حتى زمن نوح"

 

إنّ ما ينتُج عن المقارنة بين تقاليد العهد الجديد وبين تقاليد كتاب اليوبيلات، أنّ في كليهما هناك تجديد للعلاقة بين الله والجماعة، وأنّ جماعة الناس الحاصلين على الهبة (هبة العهد و\أو هبة الروح القدس) - تتشكّل وتكوّن هويّة بحسب نِعَم السماء المُهداة لها ("رجال العهد"، "جماعة الروح القدس").

 

داود والوعد

هنا، يتّجه نص العهد الجديد، إلى اتجاه آخر، أعتقد أنه الاتجاه الرئيسي الذي سيُحدّد الاختلاف بين الديانتين، وسيُحدّد أيضًا العلاقة بينهما. بعد الآيات 5 – 21 في الاصحاح الثاني لسفر أعمال الرسل (التي يشرح بها بطرس الرسول ما حدث عند حلول الروح القدس ولماذا حدث ذلك. آيات هامّة جدًا، لكنها غير مهمّة لموضوعنا هنا)، فإنه يُكمل للحديث عن -

 

العِظة عن داود ابن يسّى

يمكننا معرفة أهميّة داود في الإيمان المسيحيّ من خلال عدد المرّات التي ذُكر فيها: يظهر اسم داوود 43 مرة في العهد الجديد، من ضمنها عشر مرات على الأقل في سياق الحديث عن سلالته المميّزة.

يظهر اسم "داود" للمرة الأولى في الآية الأولى للإصحاح الأول في العهد الجديد: "نسبُ يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم" (متى 1:1).

 

يظهر اسم "داود" للمرة الأخيرة في الآيات الأخيرة للفصل الأخير في سفر رؤيا يوحنا: "أنا يسوع أرسلت ملاكي ليشهد لكم بهذه الأشياء في شأن الكنائس. أنا فرعٌ من داود وذريّتُه والكوكبُ الزاهرُ في الصباح". 

(رؤيا يوحنا 22: 16)

 

إذًا، فإن داود يظهر في العهد الجديد، على أنه مُقدِّمة ضروريّة ليسوع المسيح. داود كالبِساط الأحمر الذي يُلقى كي يخطو فوقه الملك الحقيقيّ. بدون داود، فإن يسوع لم يكن ليأتي، ولم نكن لنستطيع التعرّف عليه، ولم يكن لدوره أن يكون واضحًا ومفهومًا.

 يسوع هو الابن "الداوديّ" مُحقّق النبوءات:

"ويخرجُ غصن من جذع يسّى وينمي فرعٌ من أصوله" (أشعيا 11 :1)

النصف الأول لهذه الجملة يظهر باللغة اللاتينيّة في فسيفساء في المصلّى اليساري في كنيسة رُقاد السيدة العذراء.

Egredietur Virga De Radice Jesse – "ويخرجُ غصن من جذع يسّى".

يظهر فوق هذه الجملة، وفي وسط الفسيفساء، تقف مريم العذراء \ سليلة النسب (virgo/virga) حاملة يسوع.

يظهر "جذع يسّى" من خلال سلسلة من الشخصيّات: يسّى، داود، سليمان وباقي الملوك. 

عدد لا يُحصى من الأعمال الفنيّة تصف يسوع على أنه "ينمي فرعٌ من أصوله".

إحدى الرسمات المحببة على قلبي هي مخطوطة من القرن الثاني عشر المُسمّاة Hortus Deliciarum. 

حاولوا معرفة أين هو داود. إنه بين إبراهيم في أسفل الشجرة وبين يسوع في أعلاها (فوقه- فقط الروح القدس!)

 

كل هذا، أي مكان ومكانة داود نسبة ليسوع – معروف لنا اليوم، لكنّه لم يكن كذلك حينها، وقت العنصرة عام 30 م! لذلك، وبعد صلب يسوع بأقلّ من شهرين، وجب على بطرس أن يشرح للناس ببراعة بلاغيّة، وبتصرّف بارع بآيات العهد القديم، العلاقة بين داود ويسوع، ولماذا بكون يسوع هو "داود الجديد"! وعلى وجه الدقّة: لماذا يكون يسوع ابن داود – أعظم وأهمّ من داود. 

 

دعونا نقرأ عظة بطرس، ونحاول فهم حُججه:

 

الحُجّة الأولى: يسوع قام من بين الأموات. (الاصحاح الثاني: 22-24)

"22فَيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، اسْمَعُوا هَذَا الْكَلامَ: إِنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ رَجُلٌ أَيَّدَهُ اللهُ بِمُعْجِزَاتٍ وَعَجَائِبَ وَعَلامَاتٍ...  24وَلكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ نَاقِضاً أَوْجَاعَ المَوْتِ، فَمَا كَانَ يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ أَنْ يُبْقِيَهُ فِي قَبْضَتِهِ"! 

 

الحجة الثانية: لقد تنبّأ داود في سفر المزامير 16، بأن الموت لن ينال من جسده. (الاصحاح الثاني: 25-28)

ها هو داود يقول عنه: "  جَعَلْتُ الرَّبَّ أَمَامِي دَائِماً فَإِنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلَا أَتَزَعْزَعُ.  لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي حَتَّى إِنَّ جَسَدِي سَيَرْقُدُ عَلَى رَجَاءٍ،  لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي هُوَّةِ الأَمْوَاتِ وَلَنْ تَدَعَ وَحِيدَكَ الْقُدُّوسَ يَنَالُ مِنْهُ الْفَسَادُ.  هَدَيْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ: فَإِنَّ مِلْءَ الْبَهْجَةِ فِي حَضْرَتِكَ."

 

الحُجة الثالثة: داود مات ودُفن، أي أنّ النبوءة التي تحدّثت عن أن الموت لن ينال من الجسد- لم تتحدّث عنه ولا تنطبق عليه. (الاصحاح الثاني: 29)

" 29 أَيُّهَا الإِخْوَةُ، دَعُونِي أَقُولُ لَكُمْ صَرَاحَةً إِنَّ أَبَانَا دَاوُدَ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ مَازَالَ عِنْدَنَا حَتَّى الْيَوْمِ"

 

 الحُجة الرابعة: داود كان نبيًا، ولهذا فإن مزمور 16، لا يتحدّث داود فيه عن نفسه بل عن يسوع. كل المؤمنين بقيامة يسوع يفهمون الآن نبوءة داود. (الاصحاح الثاني: 30-32)

"30 لأَنَّ دَاوُدَ كَانَ نَبِيًّا، وَعَارِفاً أَنَّ اللهَ أَقْسَمَ لَهُ يَمِيناً بِأَنْ يَجِيءَ الْمَسِيحُ مِنْ نَسْلِهِ وَيَجْلِسَ عَلَى عَرْشِهِ، 31 فَقَدْ تَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ كَمَا رَآهَا مُسْبَقاً، فَقَالَ إِنَّ نَفْسَهُ لَمْ تُتْرَكْ فِي هُوَّةِ الأَمْوَاتِ، وَلَمْ يَنَلْ مِنْ جَسَدِهِ الْفَسَادُ. 32 فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذَلِكَ." 

 

الحُجة الخامسة: يسوع صعد إلى السماء، لكن داود – لا. لذلك، فإن الاستنتاج هو أن يسوع أعظم وهو الرب والمسيح: (الاصحاح الثاني: 33-34)

33 وَإِذْ رُفِعَ إِلَى يَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مِنَ الآبِ الرُّوحَ الْقُدُسَ الْمَوْعُودَ بِهِ، أَفَاضَهُ عَلَيْنَا. وَمَا تَرَوْنَهُ الآنَ وَتَسْمَعُونَهُ هُوَ نَتِيجَةٌ لِذَلِكَ. 34 فَإِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِجَسَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ".
 

إنهاء مرحلة الحُجج: يسوع هو الكلمة الأخيرة! هو المسيح وهو الرب! (الاصحاح الثاني: 36)

"36 فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً بَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعاً، أَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ يَسُوعَ، هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبّاً وَمَسِيحاً!".

 

هذا الفصل الدرامي، ينتهي باعتماد الآلاف مؤمنين بيسوع مسيحًا: "٤١ فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ، وَٱعْتَمَدُوا، وَٱنْضَمَّ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْس". (الاصحاح الثاني: 41)

كما يبدو فإنّ الروح القدس لم يكن وحده كافيًا لإقناعهم، فقد كانوا بحاجة لفهم وجه الشبه بين داود ويسوع، وقد احتاجوا أكثر فهم الاختلاف بين الاثنين: مُلك داود "نُزع" منه عند موته، وأُعطي لمن هو أعظم منه... سيكتفي داود منذ اللحظة بلقب "نبي"! أما يسوع سيُدعى "الرب"! خطاب بطرس أقنع المجتمعين في العنصرة، بأن تاج داود (للحقيقة فلم يكن لداود تاج. لم يكن لملوك إسرائيل في الفترة الكتابيّة تاج، وذلك بعكس ملوك الشعوب الأخرى في الفترة ذاتها) مدفون معه في قبره، أما مُلك يسوع- فهو مُلك أبديّ.

 

إذا اعتقدتم أنّ هذه البلاغة جدليّة ومناكَفة بمن رفض "مُلك" يسوع وتفوّقه (أي اليهود غير المؤمنين مقابل اليهود المؤمنين بيسوع) – فأنتم على حقّ.

لا تقلقوا! فلم يمرّ وقت طويل حتى عاد اليهود إلى الحلبة، وقد جهّزوا أنفسهم لجدليّات ومناكفات خاصّة بهم حول "من هو الملك الحقيقي"! لن يتنازلوا بسهولة عن ولائهم لفوقيّة مكانة ملكهم داود! لذلك فقد طوّر اليهود ثلاث حُجج سنعرضها في ثلاث جدليّات:

 

 

1. جدليّة "داود الملك الحيّ والموجود"

لا زال اليهود والمسلمون حتى يومنا هذا بحاجة لرؤية القمر لحساب تاريخ الأعياد بدقّة. لقد فهمنا في هذه الفترة (رمضان 2019) أهميّة موضوع تحديد ورؤية الهلال (ولادة شهر قمري جديد): تمّ إعلان انتهاء صيام رمضان في السعودية بعد رؤية الهلال، في الوقت الذي لم يُر الهلال في باقي الدول العربية، وبالتالي لم ينته الصوم إلا بعد يوم من إعلان السعودية (دعونا نترك الخلفيّات السياسيّة جانبًا، مع العلم انها قد تكون ظهرت هي أيضًا في سماء الشرق...) 

بالعودة إلى موضوعنا، هناك شهادة عمرها ما يقارب ألفًا وثمان مئة عام تتعلّق بمشاهدة القمر، وذلك لغرض إدارة التقويم العبريّ. كُتِب في التلمود البابليّ، وذلك في فصل رأس السنة:

"قال الراﭪ للراﭪ حيّا انزل لعين طب وقدّس مولد القمر وأرسل لي إشارة أن داود ملك إسرائيل حي موجود".

تفسير: أي أن الراﭪ يهودا هناسي قال للراﭪ حيّا، بأن يذهب إلى مكان ما، وينظر إلى السماء ليشهد "ولادة القمر"، ثم يُرسل رسالة تقول:

"داود ملك إسرائيل حي موجود". عند قول ذلك، سيعرف الراﭪ يهودا هناسي وسائر الناس – متى كانت بداية الشهر، وبالتالي فإن تقويم شعب إسرائيل سيسير كما يجب. دعوني أصعّب الأمر: ما معنى هذه الرسالة الغريبة - 

"داود ملك إسرائيل حي موجود"؟!

لقد كان من الممكن تمرير الرسالة كما هي: "شاهد الراﭪ حيّا ولادة القمر – وعندها قدّس الشهر" ولكن من المتّبع القول بأنّ اليهود في تلك الفترة، التي امتازت بالتقييدات ومنعهم ممارسة طقوسهم الدينيّة، حاولوا إخفاء نشاطاتهم من خلال تشفير وترميز كل ما يتعلّق بالديانة اليهودية، مثل التقويم الخاصّ. ولذلك فقد كان هناك حاجة لاختراع رموز تُشير إلى تقديس الشهر. إذًا ما الداعي لاستعمال رمز غريب كهذا؟ "داود ملك إسرائيل حي موجود"؟! 

إجابة ممكنة ومناسبة قد تكون: أهناك أفضل من ذكر داود الملك مرتبط بالقمر بإيحاء سفر المزامير:

 35 فَقَدْ أَقْسَمْتُ بِقَدَاسَتِي مَرَّةً، وَلَا أَكْذِبُ عَلَى دَاوُدَ: 36 نَسْلُهُ يَدُومُ إِلَى الدَّهْرِ، وَعَرْشُهُ يَبْقَى أَمَامِي بَقَاءَ الشَّمْسِ. 37 يَظَلُّ ثَابِتاً إِلَى الأَبَدِ ثَبَاتَ الْقَمَرِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ فِي السَّمَاءِ. (89: 35- 37).

يُقيم المزمور مقابلة بين داود ونسله وبين الشمس والقمر، بل أكثر من ذلك: فهو "يظلّ ثابتًا إلى الأبد ثبات القمر"! (عند بداية الشهر، يخرج اليهود من الكنيس، ويقفون تحت قبة السماء، ويباركون مرنّمين المزامير، مرتّلين "داود ملك إسرائيل حي موجود").    

 

 

لن أكتفي بالإجابات السابقة، وسأصعّب السؤال: لماذا القول بأنّ داود حي موجود؟!

هل هناك شك بأن "اضطجع داود مع آبائه ودُفن في مدينة داود"؟ (سفر الملوك الأول 2: 10) منذ متى يُغنّون لمن مات ودُفن بأنه "حيّ موجود"؟ هل لأن موروثه ووعده ما زال حيًا وموجودًا؟

أعتقد الآن أنّ المَلك واضح وشفّاف:

في مواجهة الادّعاء المسيحي ب"دليل كتابي" على دونيّة داود بموته، بالمقارنة مع تفوّق يسوع بقيامته، لا يسعُنا إلا أن نقول:   

"داود ملك إسرائيل حي موجود".

فإن مات الأول- مات معه الثاني، وإن كان الثاني حيًا رغم موته- فمثله يكون الأول...

ومن هذا المنطلق المنطقيّ، فإن القمر سيبقى مرافقًا لنسل داود، المنتظر قدوم المسيح. مسيح إسرائيل الذي لم يأت بعد لكنّه آتٍ لا محالة.

 

2. جدليّة عيد الأسابيع على أنه يوم ذكرى وفاة داود الملك (وبالمرّة، يوم ولادته أيضًا...)

بعد فترة قصيرة، عندما يستعدّ شعب إسرائيل لعيد الأسابيع في الكُنُس، ويُعدّ موائد العيد في البيوت، سوف يتجمّع الحشود في جبل صهيون، ويقيمون الخيم في "الحديقة اليونانية"، ويضعون الطاولات بجانب قبر داود استعدادًا " للاحتفال بداود الملك".

لماذا الاحتفال عند قبر داود؟

لا لعثورهم على ورقة دفن الملك، ولكن لأن قرونًا بعد الميلاد كُتِب في كتب الحكماء "الربانينن" (حازال): "ولد داود في عيد الأسابيع ومات في عيد الأسابيع". مصدر هذه المعلومة يمكن العثور عليه في التلمود البابلي مثلاً، وفي كتاب تفسير (مدراش) راعوث. لكل من يريد التعمّق أكثر في أدب الحكماء في هذا الشأن يمكنكم قراءة ما في هذا الرابط. 

إن المثير في أمر موته، (وصادمٌ أيضًا، لمن قرأ المصدر التلموديّ المذكور أعلاه، ولم يتحضّر نفسيًا لقصّة أنّ جثمان داود كان ملقىً في الحديقة، تحت شمس حارقة وكلاب جائعة تدور من حوله! وذلك بسبب المنع الشرعيّ لنقل الجثمان في السبت...) والعلاقة غير المباشرة لداود الملك بعيد الأسابيع من خلال راعوث المؤابيّة ("فَكَانَ وُصُولُهُمَا إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ فِي مُسْتَهَلِّ مَوْسِمِ حَصَادِ الشَّعِيرِ.") (راعوث 1:22)، لا يُلغي احتمال أن هناك ردًا يهوديًا على العنصرة المسيحيّة. فإن كان عيد داود في هذا النهار تحديدًا(في عيد الأسابيع المتزامن مع عيد العنصرة)، الذي يحيون فيه ذكرى ولادته وموته، إذًا فإنهم يعيدون هذا الشخصية إلى مركز الأحداث، ويضعونها على المنصّة التي هي أهل لها. إنها بديل يهودي تعيد الاحترام لداود (عيد الأسابيع هو عيد لداود) مقابل استهانة المسيحين به (ادعاء قد قيل في العنصرة، وبالتالي فهو يُقرا كل عام في هذا العيد).        

لقد اقترحت سابقًا أنه من الممكن ترتيل "داود حي موجود"، والآن سأضيف إحياء ذكرى الوفاة في اليوم الخمسين للفصح، وذلك ردًا على التقليل من شأنه في النصّ المسيحيّ لليوم الخمسين للفصح. إضافة لذلك، فإن مكانة أب السلالة قد ارتفعت، وهو الذي تبيّن (بحسب التقليد التلموديّ) أنه وُلد في عيد الأسابيع. لماذا؟ لأنه وبحسب التقليد اليهودي، عندما تقع ذكرى ولادة شخص ما في اليوم ذاته لذكرى وفاته، فهو بمثابة صدّيق.

 

 

3. جدليّة عيد الأسابيع على أنّه عيد نزول التوراة.

 هناك ادّعاء بأن تحديد موعد نزول التوراة على أنه تمّ هو أيضًا في عيد الأسابيع (تزامن لا أساس له في الكتاب!)، ما هو إلا مناكفة أخرى للتقليد اليهودي. مقابل عيد حلول الروح القُدس " صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ ... وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ" (أعمال الرسل الإصحاح الثاني) فقد فضّل اليهود ذِكر نزول التوراة في "رُعُودٌ وَبُرُوقٌ... ٱلرَّبَّ نَزَلَ عَلَيْهِ بِٱلنَّارِ" (سفر الخروج 19)

قد أكون أثرت حتى الان غضب العديد من القرّاء وربما يجب أن أكتفي بما كتبت حتى الآن. من كان منكم راغبًا بالتعمّق أكثر، فيمكنه البحث عن مقارنات في الأوصاف والمعاني بين نزول التوراة في سيناء، مقابل هبة الروح القدس في العنصرة. 

 

ملخص ما جاء لمن أكمل القراءة حتى هنا...

 

في هذه الفترة من كل عام، تحتفل جماعتان في القدس، في الوقت ذاته وفي المكان ذاته، هبات الله الذي وهبهم إياها من إشاراتٍ، وأشكالٍ، ونصوص غنيّة...في عالم الديانات التوحيديّة، لا مكان ل "هذا وذاك" (ومن هنا تبرز أهميّة الجدل والتقاليد). لكننا نعيش الآن فترة يلتقي فيها الادّعاء التوحيديّ بالحصريّة مع الواقع... واقع التعايش المشترك بين الكثير من الأفكار.   

  

أخوّة الشعوب يُمكنها أن تتحقّق بوجود المتطوعين الذين قبلوا المجيء ومرافقة المسيرات المسيحية المُقامة في جبل صهيون أيام الأحد والاثنين احتفالاً بالعنصرة. من خبرة الماضي تعلّمنا أن وجودهم يُهدّئ النفوس. نحن نقوم بذلك من أجلهم، ومن أجلنا، واحترامًا لداود، وراعوث وبتشابع... (أذكّركم أن راعوث الموآبية، جدّة داود الكبرى، لم تكن يهودية، كذلك إحدى نسائه على الأقل).

 

أتمنى للجميع أعيادًا سعيدة، وإن حضرتم لاحتفال داود الملك في جبل صهيون في عيد الأسابيع، أو لحضور احتفال عيد العنصرة في غرفة العشاء الأخير، يمكنكم إحضار كعكة (كعكة الجبن؟) للاحتفال بعيد ميلاد داود النبيّ-الملك وتضييف متطوّعي "نافذة لجبل صهيون"...

 

وفي النهاية إليكم الكتابات العربية في غرفة العشاء الأخير، والتي تمدح داود، وتُعظّم الله والحاكم أيضًا...

شكر خاص لأوري طال ترجمة الكتابات.

نقش على مدخل غرفة العشاء الأخير

نقش على الحائط الشرقيّ لغرفة العشاء الأخير

نقش على بلاط السيراميك:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم

نقش على زجاج الشبّاك في غرفة العشاء الأخير

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ 

سورة ص، الآية 26

להרשמה לניוזלטר
Subscribe

Share on social

Share on FacebookShare on X (Twitter)Share on Pinterest

This email was created with Wix.‌ Discover More